# # # #
   
 
 
[ 30.08.2008 ]
المؤتمر التمهيدي الثاني


مقال عن المؤتمر الثمهيدي الثاني - عادل عبدالعاطي

مؤتمر التحالف الثاني:

السودان الجديد في خضم الممارسة

 انعقد في الثلث الأول من يوليو من هذا العام المؤتمر الثاني للتحالف الوطني السوداني/قوات التحالف السودانية، الذي تم في ظل ظروف بالغة التعقيد من تعدد المبادرات السياسية وانحسار العمل العسكري لفصائل التجمع والضغوط الداخلية والخارجية التي تعانى منها حركة التحالف والمعارضة السودانية عموما.  فما معنى الدلالات الكامنة في هذا الحدث؟  وما هي الرسائل المعلنة والمضمرة التي أرسلتها توصيات المؤتمر وقراراته؟؟  وما هو دوره في مستقبل التحالف وحركات السودان الجديد والحركة السياسية السودانية عموما؟؟؟

في التحضير وشكليات المؤتمر:

 كان  انعقاد المؤتمر نفسه محمدة وأي  محمدة، ففي متاهات الجمود وانعدام الديمقراطية الحزبية التي تعانى منها الحركة السياسية السودانية، أفلحت حركة سياسية ـ يريد الكثيرون أن يصوروها كمجرد تنظيم عسكري ـ في عقد مؤتمرين منذ تأسيسها في أواخر العام 1994، واجتماع عام موسع لمكاتبها وفروعها (المجلس المركزي في 1997) وهو إنجاز تحمد عليه، خصوصا إذا علمنا بالظروف المالية الحادة التي تعانى منها الحركة، وظروف تبعثر فروعها ما بين جبهات القتال الأربعة، في شرق السودان .. في جنوب النيل الأزرق .. في داخل السودان .. وفى المهجر العربي والأفريقي والأوروبي والأمريكي والأسترالي ..  في أطراف الدنيا الأربعة.

 إن مساهمة كل مكاتب وفروع التحالف، إضافة إلى مقاتليه وتشكيلاته القتالية في الإعداد للمؤتمر والمساهمة فيه، وعقد المؤتمرات الفرعية والإقليمية، وحجم المساهمات المكتوبة المقدمة من الأعضاء والمكاتب، تقدم كلها درسا يحتذي في الديمقراطية الفاعلة، الشيء الذي يجب تقريظه والاقتداء به من فاعلى الحركة السياسية السودانية.

 إلا أن كل هذا لم يمنع العضوية من رفع الانتقادات عالية لتأخر المؤتمر عن الانعقاد في ميعاده الدستوري، الأمر الذي دفع البعض للمناداة بتحديد أطر واقعية في النظام الأساسي للتنظيم لعقد المؤتمر العام، حتى يتم انعقاده مرة كل أربعة سنوات، وليس مرة كل عامين كما ورد في النظام الأساسي القديم.

 إن المؤتمر بعد نقاش طويل وجاد قد توصل إلى وصف نفسه بالمؤتمر التمهيدي الثاني، وليس المؤتمر العام الثاني، وذلك استنادا على رأى الأغلبية بان الحركة لا تزال في طور التبلور، ولعدم قفل الطريق أمام مستقبل التنظيم بقرارات نهائية من مؤتمرات لا تتوفر لها عمليا صفة العمومية أو الجماهيرية، وللتصور بان المؤتمر العام  ينبغي أن يعقد بالسودان تحت ظلال الحرية والديمقراطية. لكن يظل السؤال  مطروحا على مندوبي المؤتمر، وهو: «إلى أي مدى زمني يمكن أن تستمر حركة سياسية في طور التبلور والتمهيد؟» .. «وهل يمكن لحركة سياسية تقارب عيد ميلادها السابع أن تظل في مرحلة التأسيس والتمهيد دون أن تنتقل إلى مرحلة الترسيخ والتحديد؟» .. هذا سؤال يطرأ على هامش التسمية.

 يبقى أمر آخر مثير للانتقاد وهو ضعف الإعلام بالمؤتمر قبل انعقاده، وأثناء انعقاده وبعد انعقاده تجاه الرأي العام والصحافة والجماهير.  إن السبب الرئيسي الذي ذكر قبل المؤتمر هو ضرورة تأمينه وتامين حضور مندوبيه، وأن انعقاده بنجاح هو أهم من الاحتفال به وتحويله إلى مناسبة صاخبة ومظاهرة سياسية.  إن هذا الرأي لا يخلو من موضوعية، لكنه يتجاهل أن انعقاد مؤتمر حزب كالتحالف يطرح نفسه بديلا جديدا لا يمكن أن يكون شأنا داخليا خاصا بأعضائه وحدهم، وأنه قد آن للجماهير والرأي العام أن تتابع الإعداد له، وتشترك بآرائها فيه، وتعرف بالتفصيل كل ما دار فيه، وليس مجرد بيان ختامي مبتسر، أو مؤتمر صحفي واحد، أو مجموعة من التوصيات والقرارات النهائية المختصرة.

 إنني اذكر هنا  لقاءً صحفيا لرئيس التحالف المقاتل عبدالعزيز خالد دعا فيه إلى أن تكون اجتماعات التجمع ومؤتمراته مفتوحة ومعلنة أمام الجماهير والصحافة والرأي العام، فلِمَ تراجع التحالف عن هذه الدعوة إذن؟  وإذا برّرت دواعي السرية والأمان شح المعلومات عن المؤتمر قبل وإبان انعقاده، فما الذي يفسر التقتير في المعلومات وطابع العمومية والاختصار فيها بعد أسابيع من انتهاء جلساته؟

 إن هذه النظرة، فوق ضعف الشفافية فيها، إنما هي ظاهرة معهودة في التنظيمات الثورية التي تضفي هالات من السرية على نشاطاتها، وهى تجربة أحرى بالتحالف أن يتجاوزها.  كما أن الإعلام المحترف وعلم العلاقات العامة يقولان بأن اكبر كمية من المعلومات عن التنظيم لن تضره إطلاقا، هذا إذا لم تساعد في ترسيخ صورته وتثبيتها في الوعي الشعبي الجماعي.

قراءة في التوصيات:

 خرج المؤتمر في توصياته وقرارات المعلنة بحزمة من القرارات في مجالات الشئون السياسية، الانتفاضة الشعبية المسلحة (التكتيك)، التنظيم، العمل بالداخل، الإعلام، الشئون القانونية والمنظمات، المال والاقتصاد، المرأة، وحول تسمية التنظيم وهيئاته .. كما انتخب المؤتمر قيادته الجديدة.

 إن هذه القرارات تنقسم إلى قرارات ذات طبيعة عامة تتعلق بالخط السياسي والفكري للتنظيم ورؤيته لأفق التعاطي مع الأزمة السودانية، والتكتيكات للفترة القادمة، وأخرى تتعلق بشئون التنظيم الخاصة، مثل قضايا الإعلام والاقتصاد والمنظمات الخ .. الخ .. إلا أن العام والخاص هنا يترابطان، لذلك فإننا في قراءتنا هذه سنحلل القرارات المتعلقة بالنشاط السياسي العام والاستراتيجية والتكتيك، كما سندرس انعكاساتها في القرارات الخاصة بالتنظيم والتوصيات المتعلقة بتحويل الخط السياسي العام إلى خطوات عملية وواقع معاش.

القرارات السياسية: هل من جديد؟

في القرارات السياسية كانت صياغة  القرارات عامة إلى حد ما، حيث جاء فيها : «الالتزام بوحدة التجمع الوطني الديمقراطي وتعضيد مواقفه السياسية والعسكرية علي هدي مقررات مؤتمري أسمرا ومصوع دعماً لمسيرة السودان الجديد، وطالما ظلت تعبر عن مصالح ومواقف التحالف».  إن هذا النص يعبر عن توازن القوى داخل التنظيم، بين غالبية من القيادة والقاعدة لا تزال تتمسك بالتجمع، وأقلية فقدت ثقتها بتجمع المعارضة وتبحث عن خيارات جديدة.  إلا أن ما يجمع الطرفين هو التخوف من تصفية القضية الوطنية، ولذلك ربط دعم التجمع بمقررات اسمرا ومصوع، وتعبيرها عن مواقف ومصالح التحالف الذي يبدو من اكثر قوى التجمع جذرية في رفضها للحل السياسي الشكلي التصالحي، وفى بحثها عن تصفية الديكتاتورية.

 تلي ذلك قرار عن الانتفاضة الشعبية المسلحة، وهى تكتيك التنظيم الرئيسي للفترة السابقة والمتمثل في عمل جماهيري فاعل ونشاط عسكري مصاحب، وفى ظل الصعوبات التي يواجهها العمل المسلح وضغوطات المبادرات السلمية، فقد قرر المؤتمر: «الانتفاضة الشعبية المسلحة هي مرحلة في مشروع تغيير ثوري بدءً منذ العام 1924، وليست فقط أداة لتغيير النظام، وبالتالي هي عملية مستمرة في تطورها وتفاعلها مع الواقع المعاش لشعبنا، وهذا يتطلب الدعم والمساندة لتقوية خطنا  السياسي وحماية مبادئنا من التصفية إلي أن يتحقق السودان الجديد».

 النص الوارد ـ على عموميته ـ لا يشكل تراجعا عن التكتيك المعلن بقدر ما يسعى إلى توسيع أطر الفكرة (الانتفاضة الشعبية المسلحة)، وذلك بتحريك أدواتها المتعددة وعدم قصرها على العمل المسلح.  وان لم يستجب المؤتمر لدعوة البعض لحذف كلمة «المسلحة» عن الانتفاضة الشعبية، إلا أنه قد وضع الأساس لإجراء تغييرات في الأولويات في إطار التكتيك ـ المرحلة، وبذلك فان الفترة القادمة قد تشهد تصعيدا في العمل الجماهيري والسياسي للتحالف، في مقابل ترشيد وتقليص العمل المسلح.

 أما في مجال السودان الجديد، وهو مشروع التنظيم الإستراتيجي، ومخاطبته لدعوة العديد من القواعد ببناء وحدة قوى السودان الجديد، والتصدي الجاد لوضع الأسس الفكرية والنظرية لهذا المشروع، وان يتصدر التحالف التبشير بهذه الدعوة خصوصا في ظل اهتزازها في خطاب وممارسة الحركة الشعبية لتحرير السودان، والخروج بها من مرحلة الشعارات إلى مرحلة البرامج التفصيلية، فقد أكد المؤتمر على: «يري التحالف السودان الجديد كنتاج لمجمل نضالات التغيير للعلاقات السياسية  والاقتصادية والثقافية لصالح مساواة جماهيرنا في الحقوق والواجبات والفرص،  وعليه فإننا يجب أن نحشد في جبهة عريضة كل القوى والفئات والقطاعات التي  من مصلحتها تحقيق هذا التغيير».

العمل المسلح : تقييم الماضي وآفاق المستقبل

 أولى المؤتمر العمل العسكري للتحالف في الفترة السابقة موقعا مميزا في نقاشاته، وذلك في ارتباطه بالتطورات السياسية والعسكرية، والتغييرات الإقليمية والعالمية.  ورغم الضغوط المختلفة، إلا أن المؤتمر قد ثمن عاليا تجربة التحالف في العمل المسلح منذ إطلاق الطلقة الأولى في أبريل 1996، الأمر الذي جعل قوات  التحالف التنظيم الثاني ـ بعد الجيش الشعبي ـ من حيث القوة العسكرية وسط تنظيمات المعارضة.  أن المؤتمر في قراراته حول الانتفاضة الشعبية المسلحة قد  أشاد بشهداء التحالف، وبالمقاتلين في جبهات القتال، وجماهير المناطق المحررة في مجموعها، وصمود وتضحيات مقاتلي وأعضاء التحالف والمواطنين في مناطق شمال النيل الأزرق، كما أوصى بتوسيع وتحقيق مرونة أكبر في الهيكل التنظيمي السياسي والقتالي، وتفويض المزيد من السلطات للقيادات الميدانية.  ووقف المؤتمر علي التوصيات المقدمة لرفع الكفاءة القتالية وتوفير احتياجات   المقاتلين الأساسية.  وبناءً علي تقييم التجربة القتالية لقوات التحالف السودانية خلال الفترة الماضية، ووفقاً لنقاش وتوصيات تفعيل الانتفاضة الشعبية المسلحة، وجه المؤتمر الدائرة  العسكرية لوضع استراتيجية قتالية لقوات التحالف السودانية للمرحلة القادمة، وتفويض المكتب التنفيذي لإجازتها.

 إن هذه التوصيات توضح أن التحالف لم يتخل عن تكتيك العمل العسكري كأحد التكتيكات المشروعة لمناهضة النظام الفاشي، ذلك رغم الصعوبات الفنية واللوجستية  التي يعانى منها هذا التكتيك، وانسحاب قوى مؤثرة من المعارضة من مواقع القتال في شمال النيل الأزرق وشرق السودان (جيش تحرير الأمة الذي عاد إلى الخرطوم .. قوات الفتح من على الحدود الإثيوبية .. الجيش الشعبي من مناطق شمال النيل الأزرق .. تصدع القوة العسكرية لمؤتمر لبجة .. الخ ..)، إلا أن التحالف يبدو مصمما على الاحتفاظ بهذا البديل.
 أن التجربة النضالية لقوات التحالف قد كسرت التكتيكات التقليدية للحركة السياسية السودانية في شمال وأواسط السودان، ولكي ما لا تتحول هي أيضا إلى تكتيك تقليدي، فقد أوصى المؤتمر بمراجعتها وترشيدها للفترة القادمة دون أن يستجيب للضغوط ويركض خلف الحلول الاستسلامية التي تأتي بها رياح الردة والصعوبات والضغوط.

النشاط بالداخل ومهام بناء الحزب الجماهيري:

 أولى المؤتمر هاتين النقطتين اهتماما عاليا، خاصة انه قد انعقد تحت شعار: «نحو بناء حزب جماهيري»، وفى ظل الاهتمام المتزايد من المؤيدين والجماهير بالطابع السياسي لحركة التحالف، وإدراكا للانتقال من مراكز العمل السياسي تدريجيا إلى الداخل، وضرورة استغلال كل تراجعات النظام لدعم الحركة الجماهيرية، فقد رأى المؤتمر انه: «تفهماً لطبيعة تخلق التنظيم في أطرافه المختلفة، وتطويراً لعملية بناء الحزب   الجماهيري نري أن يتم تشكيل العلاقة بين الهيئات القيادية المختلفة والداخل بالشكل الذي يضمن للداخل قدراً من المرونة ويشكل غطاء للعمل مع المحافظة  علي الربط التنظيمي والسياسي المطلوب» .. كما قرر: «تنفيذاً لشعار المؤتمر "نحو بناء حزب جماهيري" وتفعيلاً لما بدأنا به كحركة سياسية منذ إعلان التنظيم في 14 أغسطس 1995، يكوّن المؤتمر التمهيدي لجنة تحضيرية يُناط بها تجهيز كل الأدبيات واللوائح اللازمة لبروز التنظيم كحزب سياسي وأن ينعقد المجلس المركزي في يوليو من العام القادم لتقنين ذلك».  كما  أقر المؤتمر أن يظل التحالف الوطني السوداني في الداخل  يعمل بهذا الاسم، وتستمر أفرع التحالف بالخارج بالعمل باسم التحالف الوطني السوداني/قوات التحالف السودانية، على أن يتواصل السعي لتوفير الدعم المالي المطلوب لدعم  العمل بالداخل.

 القرارات السابقة مهمة في إطار بناء الجناح  السياسي (الحزب) ضمن إطار حركة التحالف، وان كانت بعض الخطوات تبدو غير جذرية، ومن ذلك تأجيل الحسم في الأدبيات واللوائح لمدة عام، واشتراط أن تعمل فروع الخارج بالاسم المزدوج وليس باسم «التحالف الوطني السوداني» فقط، وقصر تسمية قوات التحالف على التشكيل المقاتل فقط، وهو المطلب الذي تقدمت به بعض الفروع والأعضاء.  لكن رغم هذه الانتقادات، إلا أننا نعتقد بان المؤتمر قد دحض الرأي القائل بان حركة التحالف هي مجرد تنظيم عسكري، فقد انفتح بذلك على واجب تطوير البني السياسية.  ومن المهم في ذلك الإشارة إلى أن المؤتمر وافق على تغيير اسم الهيئة القيادية من «المكتب السياسي العسكري» إلي «المكتب التنفيذي»، وذلك لإعطاء طابع اكثر مدنية واحترافا عليها.  كما غير المؤتمر صيغة المجلس المركزي للتحالف من كونها اجتماع عام استثنائي لمكاتب التنظيم وفروعه، إلى هيئة قيادية وسيطة ثابتة، ذات مهام تشريعية وتنفيذية، الأمر الذي يوسع من أطر الديمقراطية الداخلية، ويعلى من شان المؤسسية.  إلا أن المؤتمر قد تأخر حين أوصي بتكوين المجلس المركزي في أقرب فرصة ممكنة، ولم يكونه من داخله كما طالبت بذلك العديد من الفروع، كما لم يحدد آلية تكوين المجلس المركزي، أو المدى الزمني لصيرورة التكوين.

الموقف من قضايا المرأة السودانية:

 لقد شكل التحالف أحد التنظيمات القليلة التي وقفت ومنذ انطلاقتها مع مطلب تحقيق مطالب المرأة السودانية، وتقوية وتنشيط إسهامها في الحياة العامة، كما كان أحد القوى الجذرية في التجمع المطالبة بتمثيل المرأة في هيئاته، وضمان حقوقها وتسجيل ذلك في برامج التجمع، وفى ذلك فقد انتدب التحالف لفترة طويلة إحدى قياداته ـ المقاتلة ندى مصطفى ـ لتكون ممثلة التنظيم الرسمية في المكتب التنفيذي للتجمع الوطني الديمقراطي.  كما حقق التحالف النسوى السوداني، وهو الحركة النسوية المرتبطة بالتحالف، نقلة نوعية في مجال قضايا  المرأة السودانية، والنظر إلى حقوقها ومطالبها من منظار نظرة نسوية راديكالية جديدة، تهدف إلى تقويتها ( Empowerment )، وتحقيق مطالبها عبر سلسلة من الأنشطة السياسية والاجتماعية والمطلبية، وعبر عملية من رفع الوعي والتشبيك والتقوية، وهى نظرة  تتجاوز تقليدية الحركات النسوية السودانية وتتماشى مع برنامج الحرية والتجديد في ارتباط وثيق مع التجارب الإيجابية وإنجازات الحركة النسوية السودانية والإقليمية والعالمية.

 في هذا الإطار ننظر إلى قرارات المؤتمر الثاني للتحالف الذي أوصى بان: «تُعَدّل صيغة الفقرة الخاصة بالمرأة في ميثاق التحالف من (التأكيد على مكتسبات المرأة التي حققتها بنضالها الدءوب عبر التاريخ ودورها الأساسي في تنمية المجتمع ودفع عجلة التقدم) .. إلي (الاعتراف بحقوق المرأة التي نصت عليها المواثيق الدولية كافة بما فيها الاتفاقية الأخيرة "سيدو"، والتأكيد علي دورها الفاعل في المجتمع)».  كما أوصى المؤتمر بان  يعدل اسم دائرة المرأة في التحالف من دائرة المرأة  إلي «دائرة شئون النوع والمرأة» في خطوة تستهدف تطوير الخطاب النسوى للتنظيم.

 إلا أن الأكثر أهمية كان في الانتقال من النظري إلى العملي، حيث تبدى ذلك في القرار الثوري بان: «تفرد نسبة 30% من المقاعد في  جميع هيئات ومؤسسات التحالف للنساء داخل وخارج السودان  وتنافس المرأة في المقاعد المتبقية».  كما أوصى المؤتمر كذلك بـ: «بتوفير التدريب الكافي للعضوية النسوية ومجمل جماهير النساء علي المهارات القيادية والمهارات الأخرى بدءً من تعلم الكتابة والقراءة وحتى التفاوض والتشبيك».

 إن هذه القرارات على اختصارها، تشكل نقلة نوعية في تعامل الحركة السياسية السودانية مع قضايا النوع والمرأة، وهى لا تأتى نتيجة موقف نظري ملتزم بالقوى المهمشة فقط، ومَن اكثر تهميشا من النساء في واقعتا السوداني، إنما نتيجة لواقع عملي، وهى نضالات المرأة السودانية في كل المجالات، ابتداءً من توفير المعيشة، مرورا بالنضالات المطلبية والسياسية، وانتهاء بالمساهمة في الكفاح المسلح.

 أن عضوات التحالف قد فرضن هذه القرارات بإسهامهن الثر في حياة التنظيم، كما أن قيادة وقواعد التحالف قد سجلت حساسية عالية تجاه قضايا المرأة، وبذلك حققت طفرة نوعية تتجاوز تجيير الحركة النسائية لمشروعها/حزبها، إلى انخراط المشروع/الحزب بكامله في عملية تحرير المرأة، ووفقا لذلك يمكن النظر إلى الترابط الوثيق ما بين تشكيلات حركة التحالف (الحزب، القوات، المنظمات) والتنظيم النسوى.  والتقييم الإيجابي لقرارات المؤتمر، وخصوصا في الانتقال من المثالي والعاطفي في التعامل مع قضايا المرأة، إلى المحدد والموثق كما يتضح من تغيير فقرات الميثاق، وتمثيل المرأة في مؤسسات التحالف.

 أن نسبة ال30% المحددة هنا لا تعنى حدا أقصى لمساهمة المرأة في مؤسسات التحالف، وإنما هي الحد الأدنى المضمون دستوريا حسب مواثيق وأنظمة التنظيم، ويبقى السقف الأعلى مفتوحا بضمان منافسة المرأة في المقاعد المتبقية، وهو حد يتسع باستمرار بازدياد مساهمة المرأة في العمل العام وفى نشاطات التنظيم.

 أن المكتب التنفيذي الجديد لا يحتوى نسبة الـ30% المقررة للمرأة، حيث انه من مجموع سبعة أعضاء معلنين امرأة واحدة فقط، وهذا تناقض فاضح مع مقررات المؤتمر لا يجوز السكوت عليه، ووفقا لحله تتبدى جدية التنظيم والقيادة والعضوية في الالتزام بما أقرته.  إلا أن كل المؤشرات تشير إلى إن هذا التراجع في سبيله إلى الإصلاح، وان التنظيم سيصلح هذا الخلل في الفترة القريبة القادمة بحيث تكون في قمة قيادته 30% على الأقل ممثلات للمرأة السودانية.

قضايا التنظيم والحياة الداخلية:

 ناقش المؤتمر كذلك جملة من القضايا التنظيمية وقضايا الحياة الداخلية، وذلك لرفع كفاءة التنظيم وتجاوز القصور والخلل الذي صاحب عمل التنظيم في الفترات السابقة.  وإذا كان بعض العضوية قد رأى في حياة التنظيم بعض بوادر الأزمة، هذه الأزمة التي ظهرت ملامحها في بعض الانشقاقات التي ضربت التنظيم، والمشاكل والتراجع في عمل منظمة «أمل»، والجمود في نمو العضوية، والموت الدرامي لأحد قادة التنظيم (الشهيد ميلاد)، فان المؤتمر لم يذهب إلى هذا الحد، وإنما اكتفى بقرارات إدارية وتنفيذية لتطوير العمل دون أن يفرد حيزا كافيا ـ في قراراته على الأقل ـ لتقييم سلبيات التجربة السابقة، أو يؤيد مقترحات  بعض العضوية في تكوين لجنة لرأب الصدع، أو الحوار مع المنقسمين عن التنظيم، تمهيدا لحل الخلافات وتوحيد الصفوف من جديد، أو على الأقل وقف حالة الاحتراب وبدء أشكال من النشاط المشترك.

 إن أهم القرارات على المستوى الداخلي قد تركزت في إعادة هيكلة التنظيم، والقرار بتكوين المجلس المركزي كهيئة قيادية وسيطة ما بين المؤتمر العام والمكتب التنفيذي، وتبنى المرجع العام للوائح التنظيم.  وفى الإعلام جاءت القرارات بإجازة التقرير الإعلامي والاستراتيجية الإعلامية وضرورة دعم العمل الإعلامي وتطويره، وفتح إعلام التحالف ـ وخاصة الإذاعة ـ للقوى الحليفة، وإشراك المقاتلين والمكاتب الخارجية في النشاط الإعلامي، والاهتمام بالثقافات السودانية المتعددة، وعكسها في العمل الإعلامي، كما أجاز المؤتمر حزمة من القرارات لتنشيط وإعادة تنظيم منظمة السودان للرعاية الاجتماعية «أمل» ومنظمة السودان للتعليم والبحوث «استير»، كما أجاز ورقة «حول وضع استراتيجية للعلوم والتكنولوجيا» وعدد من القرارات المتعلقة بالوحدة الطبية.  وفى مجال المال والاقتصاد، أجاز المؤتمر مجموعة قرارات لتنظيم العمل المالي للتحالف، بما فيها وضع لائحة الاستثمار، ودراسة إمكانية قيام شركة مساهمة عامة استثمارية  للتحالف.

 أن هذه القرارات قد أتت كمحاولات عاجلة لإصلاح للمشاكل التنظيمية التي تراكمت عبر السنتين الأخيرتين، وخاصة في مجال نشاط منظمة «أمل»، إلا أنها تبدو لنا قرارات في الحد الإداري للمشكلة، ولا تعالج جذورها العميقة، وخصوصا في معالجة مشكلة الفاقد من التنظيم (خروج أو إخراج أفراد ومجموعات من التنظيم)، وهى مشكلة تحتاج إلى نقاش جاد وروح عالية من النقد الذاتي والتسامح لم تجد انعكاسها في قرارات المؤتمر.

 وفى الختام انتخب المؤتمر مكتبا تنفيذيا جديدا من ثمانية أعضاء، وهم المقاتلات والمقاتلون: عبدالعزيز خالد، ندى مصطفى على، تيسير محمد احمد، عصام الدين ميرغنى، محمد عبد المنعم، قابى فايز جبرائيل، فتحي عبد العزيز، وعضو من الداخل يعلن لاحقا.  كما أعاد انتخاب المقاتل عبدالعزيز خالد رئيسا للمكتب التنفيذي وقائدا عاما لقوات التحالف السودانية.

التقييم النهائي: خطوتان للأمام .. وخطوة للخلف

 في تقييمنا النهائي للمؤتمر، بناءً على القرارات والتوصيات الصادرة عنه، والبيان الختامي له، والمؤتمر الصحفي اللاحق له، نصل إلى نتيجة أن المؤتمر قد خطا خطوتين إلى الأمام، لكنه تراجع خطوة للخلف، مسجلا بذلك نجاحا في الحصيلة النهائية.
 أما الخطوتان للأمام، فتشكل الأولى حقيقة انعقاد المؤتمر كما خطط له، وتمثيل الأغلبية العظمى من المكاتب والفروع فيه، وتثبيته بذلك لمبادئ الديمقراطية الداخلية رغم الصعوبات التي يعانى منها التنظيم والحركة المعارضة عموما، وترسيخ المؤسسية فيه، والتعامل بحساسية عالية تجاه مطالب العضوية والمؤيدين، وخاصة فيما يتعلق بقضية المؤسسية وتوسيع دائرة اتخاذ القرار.  وتشكل الثانية حزمة القرارات الإيجابية التي خرج بها المؤتمر، وتمسكه الثوابت التحالف في تصفية النظام وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة، والتعامل الإيجابي مع مشاريع الحل السياسي الشامل طالما كان الهدف منها تصفية الديكتاتورية وليس إطالة عمرها، في نفس الوقت الذي يُعِدُّ فيه التحالف العدة ويرمى بثقله في اتجاه الحركة الجماهيرية والانتفاضة الشعبية، والاستعداد لمواصلة النشاط المسلح  لضرب الآلة الأمنية والعسكرية للنظام إذا لم يتراجع عن سياساته الإرهابية والبطشية.  إن قرارات المؤتمر قد أكدت على ثوابت التحالف، في نفس الوقت الذي أبدت فيه مرونة عالية تجاه المتغيرات السياسية ومن بينها قضية الحل السياسي التي ينخرط فيها التجمع الوطني الديمقراطي.

 أما الخطوة للخلف فتبدو ـ في زعمنا ـ في الطابع الجزئي لبعض القرارات، وتأخير الحسم حول جملة من أهم القضايا، من بينها تكوين المجلس المركزي، أو إجازة بعض الأوراق والوثائق، وفى انعدام النظرة التحليلية ـ النقدية العميقة تجاه مشاكل التنظيم، ورغم أن هذه النظرة قد تبدت في العديد من المساهمات المكتوبة والشفهية للمؤتمر، إلا أنها لم تجد انعكاسا لها في بيانه الختامي وتوصياته، كما تتبدى الخطوة للخلف في ضعف الإعلام بالمؤتمر وضعف مشاركة المؤيدين والأصدقاء والرأي العام في التحضير له والمساهمة بآرائهم فيه، وهى عملية نعتقدها جوهرية في إطار بناء الحزب الجماهيري، وبناء ممارسة سياسية جديدة تعتمد على الشفافية ومشاركة الجماهير في عملية اتخاذ  القرار.

 إن مؤتمر التحالف بهذا الشكل كان تجربة لخطاب وقوى ومشروع «السودان الجديد» في الممارسة.  أن «السودان الجديد» .. هذا الوليد الذي ينهض من بين الأنقاض في ظل ظروف بالغة الصعوبة، وتكتف طريقه الآلام والصعوبات، إنما يتبدى في الممارسة في خطاب وسلوك دعاته، الصغير منها والعظيم.  إن التحالف بوصفه شكلا مصغرا لقوى «السودان الجديد» وخطابه ومشروعه قد رفع علم الأمل عاليا بمؤتمره هذا، وخطا خطوات جبارة إلى الأمام، وان كان لا يزال عليه أن ينفض الكثير من أثقال وعقلية السودان القديم، مستشرفا آفاقا جديدة في ثورة الحرية والتجديد، من اجل الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة، دولة «السودان الجديد».

عادل عبدالعاطى
29 يوليو 2001

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by